الحوار الرضوي قوة الحجة وأدب الأسلوب

الحوار الرضوي قوة الحجة وأدب الأسلوب

الحوار، السبيل الوحيد لحل المشاكل والقضايا الصعبة التي يواجهها البشر ويعرف ثامن أئمة المسلمين الإمام علي الرضا  عليه‌السلام من أبرز المحاورين الذي حاور عظام القوم من اليهود والنصاري والصابئة والمجوس وحتي علماء المسلمين، في هذه المادة نتناول الحوارين المهمين الذي أجراهما الإمام في مدينتي  البصرة ومرو.  
هناك حواران دار بين الأمام الرضا  عليه‌السلام وأهل الأديان، الأول جرى في البصرة وهو من الحوارات المهمة التي قلّما تناولها الباحثون، وقد أوردها الراوندي في كتابه الخرايج والجرايح، أما الثاني وهو الحوار المشهور والذي جمع فيها عبدالله المأمون بن هارون الرشيد سابع الخلفاء العباسيين أهل الملل والمقالات والمتكلمين لاختبار الإمام حيث كان ولي عهده ومحاولة لانتقاصه وإبانة جهله أمام شيعته لينفضوا من حوله، وكان في مدينة مرو (تقع في دولة تركمنستان اليوم) حيث مركز خلافة المأمون أنذالك رواها الشيخ الصدوق في كتابيه التوحيد وعيون أخبار الرضا  عليه‌السلام.

حوار البصرة
في ثمانينيات القرن الثاني من الهجرة سافر الإمام الرضا  عليه‌السلام إلى البصرة وكان في بداية الأربعينات من عمره حيث بادر بهذا السفر للتدليل على إمامته وإبطال شُبَهِ المنحرفين عن الحق وقد نزل  عليه‌السلام ضيفاً في دار الحسن بن محمد العلوي، وقد عقد في داره مؤتمراً عاماً ضَمَّ جمعاً من المسلمين .
وكان من بينهم عمرو بن هداب، وهو من المنحرفين عن أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) والمعادين لهم، كما دعا فيه جاثليق النصاري ورأس الجالوت .
فالتفت إليهم الإمام ( عليه السلام ) وقال لهم: «إني  جمعتكم لتسألوني عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلا عندنا أهل البيت، فَهَلِمُّوا أسألتكم”.
فبادر عمرو بن هداب فقال له: إن محمد بن الفضل الهاشمي أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله، وأنك تعرف كل لسان ولغة .
فانبرى الإمام  عليه‌السلام، فَصَدَّقَ مقالة محمد بن الفضل في حقه قائلاً: «صدق محمد بن الفضل، أنا أخبرته بذلك” .
وسارع عمرو قائلاً: إنّا نختبرك قبل كل شيء بالألسن واللغات، هذا رومي وهذا هندي وهذا فارسي وهذا تركي، قد أحضرناهم .
فقال  عليه‌السلام: «فَليتكَلَّموا بما أحبُّوا، أُجِبْ كلَّ واحدٍ منهم بلسانه إن شاء الله”.  
وتقدم كل واحد منهم أمام الإمام فسأله عن مسألة فأجاب  عليه‌السلام عنها بلغته، فَبُهِر القوم وعجبوا.

حواره في مرو
بعد ما عقد الإجتماع في مجلس الخليفة العباسي المأمون، قال الإمام  عليه‌السلام: يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم .
فقام إليه عمران الصابئي وكان واحدا من المتكلمين في المجلس فقال: يا عالم الناس لولا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل فلقد دخلت بالكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته أفتاذن لي أسئلك؟
قال  عليه‌السلام : «إن كان في الجماعة عمران الصابئي فأنت هو”
فقال: أنا هو
قال  عليه‌السلام: «سل يا عمران وعليك بالنصفة وإياك والخطل والجور”
فقال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه
قال  عليه‌السلام: «سل عما بدا لك”.
فازدحم الناس وانضم بعضهم إلى بعض فقال عمران الصابئي :أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق 
فقال  عليه‌السلام له: «سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شئ معه بلا حدود وإعراض ولا يزال كذلك ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة لا في شئ أقامه ولا في شئ حده ولا على شئ حذاه ومثله له فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة واختلافا وائتلافا وألوانا وذوقا وطعما لا لحاجه كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزله لم يبلغها إلا به ولا أرى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا تعقل هذا يا عمران؟”
قال: نعم والله يا سيدي
قال  عليه‌السلام: «واعلم يا عمران أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجتة ولكان ينبغي أن يخلق اضعاف ما خلق لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى والحاجة يا عمران لا يسعها لأنه كان لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت به حاجة أخرى ولذلك أقول إنه لم يخلق الخلق لحاجة ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى فضل ولا نقمة منه على من أذل فلهذا خلق”
قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه؟
قال الرضا  عليه‌السلام: «إنما يكون المعلمة بالشئ لنفي خلافه وليكون الشئ نفسه بما نفي عنه موجودا، ولم يكن هناك شئ يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشئ عن نفسه بالتحديد ما علم منها أفهمت يا عمران؟”.
قال: نعم والله سيدي فأخبرني بأي شئ علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟
قال الرضا  عليه‌السلام: «أرأيت إذا علم بضمير هل يجد بدا من أن يجعل لذلك الضمير حدا تنتهي إليه المعرفة؟”.
قال عمران: لا بد من ذلك.
فسأل الرضا  عليه‌السلام: «فما ذلك الضمير؟”. 
فانقطع ولم يحر جوابا .
قال الرضا  عليه‌السلام: «لا باس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر؟، فإن قلت نعم أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهم منه مذاهب وتجزيه كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم فاعقل ذلك وأبن عليه ما علمت صوابا”.
ما نقل هو جزءا من الحوارين الذي أجريا في البصرة ومرو وهما من وثائق القرن الثالث الهجري لما فيها من معلومات كلامية وحجج علمية تمثل النزعة الفكرية في تلك الأيام.
ومن خلالهما، نجد صور مشرقة، والتفاتات لا تكون إلا من مثل الرضا (صلوات الله عليه) تبطل بها حجة الخصم المعاند الجاهل ويستفاد منها لقوة بيانها وتمام أدلتها المحاور.
ولم يكن الإمام  عليه‌السلام هو المبادر إليهم، لكن لما رأى أن القوم أرادوه وكانت المصلحة في محاورتهم ملزمة لما فيها نصرة الإسلام، أظهر من مكنون علمه الذي ورثه عن آبائه الطاهرين ما أوصل الحسد إلى أعدائه ممن كان يكيد له فلم يجد بدلا من الثناء عليه والإطراء له وعلى ما يحمله من العلوم.
حيث أشار عم الإمام، محمد بن جعفر في كلام له مع النوفلي بيّن فيه أن مثل هذا الحوار الذي دار بين الإمام وأهل الأديان ربما يجلب الضرر من المأمون على الإمام الرضا.

برچسب ها :
ارسال دیدگاه